روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | التجديد في الأحكام الشرعية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > التجديد في الأحكام الشرعية


  التجديد في الأحكام الشرعية
     عدد مرات المشاهدة: 2955        عدد مرات الإرسال: 0

الأحكام جمع حكم، والحكم في اللغة: مصدر حَكَمَ يَحْكُمُ، وهو يطلق على معنى العلم والفقه، ويطلق على إتقان الفعل والإتيان به على الوجه الذي ينبغي فيه.

وفي الاصطلاح: تختلف تعريفات الأصوليين للحكم الشرعي، إلا أنها تدور حول ما دل عليه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد اقتضاءً أو تخييرًا أو وضعًا.

والإقتضاء إما أن يكون في جانب الفعل أو في جانب الترك، وكل منهما إما أن يكون بشكل جازم أو غير جازم، فينتج من الإقتضاء أربعة أحكام شرعية هي:

1= الوجوب: حيث يكون إقتضاء الفعل إقتضاءً جازمًا.

2= الندب: حيث يكون إقتضاء الفعل إقتضاءً غير جازم.

3= الحرمة: حيث يكون إقتضاء الترك إقتضاءً جازمًا.

4= الكراهية: حيث يكون إقتضاء الترك إقتضاءً غير جازم.

والتخيير هو: ما خير الشارع العباد فيه بين الفعل والترك بغير ترجيح لأيهما والحكم الشرعي هنا هو المباح.

والحكم الوضعي هو: ما وضعه الله تعالى في شرائعه، لا أنه أمر به عباده ولا أناطه بأفعالهم.

وتدور تعريفات الأصوليين للحكم الوضعي على أنه: ما دل عليه خطاب الشارع بجعل الشيء سببًا وشرطًا ومانعًا، ويتعلق به أحكام العزيمة والرخصة والصحة والبطلان.

وبعد هذا البيان المختصر للحكم الشرعي وأنواعه فإن ثبات الحكم الشرعي بمعنى دوامه وإستمراره يعد أصلاً من أصول الدين قد دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بوجوه عدة:

= فمن جهة كون الله هو المشرع وأنه هو المتعهد بحفظ كلماته التي هي شرعه، يقول تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115]، وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ أوجهًا منها: أن أحكام الله لا تقبل التبديل والزوال، لأنها أزلية والأزلي لا يزول.

= ومن جهة أخرى أنكر الله تعالى على السابقين تحريف الشرائع وتبديل الأحكام تحذيرًا للمؤمنين من سلوكِ سبيلهم، يقول عزَّ من قائل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].

وشدد في النكير على أهل الكتاب لإتباعهم الأحبار والرهبان على تبديلهم لأحكام الله، وتحريفهم لشرائعهم، فجعل اتباعهم على التبديل نوعًا من الإشراك بالله، فقال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} [التوبة:31].

= ومن جهة ثالثة: نهى الله جلا وعلا المؤمنين عن التبديل والتغيير في الشرع فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:87]، فجعل الله الإمتناع من الطيبات وتحريمها على النفس أو الغير إعتداءً على حقه سبحانه في التشريع.

يقول الشاطبي: كل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي، فهو خارج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وتقريرًا لقطعية الدلالة على هذا الأصل ورفعًا لأي إحتمال أو شبهة قد يوردها بعض المغرضين فإن الإجماع قد انعقد على ديمومة التشريع منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم يقول الغزالي: والسلف من الأئمة مجمعون على دوام التكليف إلى القيامة.

ويقول الزركشي: مما عرف بالضرورة من دينه صلى الله عليه وسلم، أن كل حكم تعلق بأهل زمانه فهو شامل لجميع الأمة إلى يوم القيامة.

فشريعة الله جلا وعلا خالدة على مر الأزمان شاملة لجميع أحوال العباد، قاضية على وقائعهم.. فلا تخلوا واقعة عن حكم للشرع.

بيد أن دعاة التجديد المنحرف سلكوا مسلكًا خطرًا ينتهي بهم إلى إبطال العمل بجملة من أحكام الشرع، ومن ثمَّ إحداث أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، ذلك هو القول بتاريخية الأحكام الشرعية، ويقصد به في زعمهم أن كثيرًا من الأحكام الشرعية موقوتة بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم تنتهي بوفاته.

فمن قائل إن آداب قضاء الحاجة لم تكن موجهة إلينا في الأساس، وإنما تخاطب مجتمع الصحراء والخيام حيث يتم قضاء الحاجة في الخلاء.

وآخر يرى أن فرض الحجاب في المدينة إنما نزل ليعالج قضية اجتماعية خاصة بالمجتمع الإسلامي آنذاك.

وثالث يؤصل لشرعية إسقاط الحدود بدعوى أنها إنما كانت تناسب المجتمع الذي نزلت فيه أما الآن فيمكن أن تستبدل بعقوبات تتفق مع روح المدنية الحديثة وما يتناسب مع حقوق الإنسان- بزعمهم- {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات:16]، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

وفي القول بتوقيت الأحكام ما يقضي بفساده، ففيه إتهام واضح لشرع الله بالقصور والنقص، ولازم ذلك وصفه جلا وعلا بالعجز تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا والطعن في حكمته وقدرته وعلمه سبحانه وتعالى كما أنه يقضي ببطلان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وشمول بعثته بعد مماته صلى الله عليه وسلم، ومن إعتقد هذا فقد كفر.

ولهذا إنعقد إجماع الصحابة على قتال من تخلف عن دفع الزكاة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأولاً قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103]، إذ أن التخلف عن دفع الزكاة بدعوى إرتباطها برسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يقتضي التأقيت في أحكام الشرع، وهذا يرجع بالمعارضة والمخالفة على الأصل الشرعي القطعي من ثبات الأحكام الشرعية، مما يسوِّغ التحلل من أحكام الشرع، والمروق من دين الإسلام، ولهذا عزم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال كل من امتنع عن أداء الزكاة وقال: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدّونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.

ومن هنا يظهر بجلاء الفرق بين أهل التجديد الشرعي ودعاة التجديد المنحرف، فالأولون آمنوا بثبات أحكام الشرع فانطلقوا من القواعد الكلية والضوابط الشرعية التي أرستها النصوص والتي لا تخرج عن مضمونها واقعة من الوقائع النازلة بين يدي الساعة، فأعملوا أنظارهم في الوقائع محققين لمناطاتها، ليخرجوا بحكم الشرع فيها.

والمنحرفون آمنوا بتوقيت الأحكام، وبنوا أحكامهم العصرية على المعاني والحكم العامة فقط كالعدل والرحمة بالعباد متحللين من الضوابط الشرعية، منطلقين من نظر عقولهم القاصرة وأهوائهم المتنازعة، فأخذوا يؤصلون الأحكام على تلك المعاني على مقتضى شهواتهم وأهوائهم، لا بحسب أمر الشارع.

يقول الشاطبي رحمه الله : إن وضع الشريعة إذا سلّم أنها لمصالح العباد فهي عائدة عليهم بحسب أمر الشارع، وعلى الحدِّ الذي حدَّه لا على مقتضى شهواتهم وأهوائهم.

الكاتب: د.عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.